لأول مرة باللغة العربية.. مذكرات البحار المجاهد خير الدين بربروس رحمه الله
مذكرات خير الدين بربروس
ترجمها عن التركية: د. محمد دراج
تعد شخصية المجاهد خير الدين بربروس شخصية أسطورية بكل المقاييس، فقد تحولت
حياته إلى نوع من الأسطورة التي تتجاوز الواقع لتحلق في ما ينسجه الذهن من
صور متناقضة من البطولة أو الإرهاب بلغة هذه الأيام. إن مجرد ذكر اسم هذا
المجاهد البطل حتى تمتزج الأسطورة الخارقة والخيال الجامح بالحقائق
التاريخية فهو عند المسلمين محرر نصر المستضعفين في العديد من الدول خاصة
في سواحل شمال افريقيا وجنوب اوروبا وهو بالنسبة للأوروبيين قرصان مارد
تكبدوا على يديه خسائر فادحة في الأرواح والثروات.
الكتاب الذي سنقوم بترجمته ونشره في حلقات عبر جريدة المحرر، عبارة عن
مذكرات أملاها البحار التركي خير الدين بن يعقوب باشا الشهير بلقب ”
بربروس”(1) على زميله البحار الأديب الشاعر ” سيد علي المرادي ” بناء على
طلب من السلطان العثماني الكبير سليمان القانوني.
وتوجد نسخ مخطوطة للكتاب بمكتبة جامعة إسطنبول، ومكتبة طوب كابي سراي
بإسطنبول. كما ترجم الكتاب إلى الفرنسية، والأيطالية، والانجليزية،
والإسبانية.
وقد نشر ابتداء من القرن التاسع عشر الميلادي ولكن بتعديلات كبيرة. وصدر
الكتاب بأسماء مختلفة وبتعديلات كبيرة وبأسماء عديدة ومنسوبا إلى غير ممليه
أو كاتبه وإنما إما باسم ( مؤلف مجهول ) أو بأسماء من ترجموه إلى اللغات
الأخرى. فبدت النسخ المترجمة إلى تلك اللغات وكأنها لا صلة تربطها بالكتاب
الأصلي. كما أجريت حول المذكرات دراسة أدبية في جامعة سلجوق بقونيا ( تركيا
) في قسم الأدب الإسلامي التركي باسم : خير الدين بربوس ومذكراته.
قام الباحث التركي أرتوغرول دوزداغ بتحويل الكتاب إلى قصة ملحمية محتفظا
بنفس العنوان (غزوات خير الدين بربروس). كما قامت القيادة العامة للبحرية
التركية بنشرالمذكرات باللغة التركية الحديثة مع تعديل بسيط في صياغتها.
أما المؤرخ التركي يلماز أوز تونا فقد قام بتهذيبها ونشرها باللغة التركية
الحديثة في مجلة الحياة التاريخية عام 1967. قبل أن يعيد نشرها كاملة في
كتاب عام 1995.
وقد قمنا باختيار النسخة المهذبة التي نشرها الأستاذ أوز تونا لكونه لم
يتدخل في النص الأصلي إلا بشكل بسيط جدا حسبما ذكره هو بنفسه. فحافظ بذلك
على روح النص الأصلي بما يسمح للقارئ أن يعيش في الجو الفكري والنفسي الذي
كتبت فيه تلك المذكرات.
من جهتنا لم نقم بأي تدخل في أصل المذكرات. بل قمنا بترجمتها كما هي ماعدا
بعد التحويرات اللغوية البسيطة للمحافظة على الانسياب اللغوي العربي.
وسأكون سعيدا بأي ملاحظة يتفضل الإخوة القراء بإبدائها، أو استفسار يتعلق
ببعض الأسماء، أو الأماكن، أو المصطلحات، أو الحوادث التي ترد في المذكرات
لكي أقوم بتوضيح ما يلزم توضيحه.
آمل أن أكون بنشر هذه المذكرات قد ساهمت بإضافة قطرة إلى بحر الجهود
المخلصة التي يبذلها الكثير من الجنود المجهولين الذين إذا حضروا لم
يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا.
بدأت إملاء مذكراتي بأمر من السلطان سليمان القانوني
في أثناء اتصالي بالسلطان سليمان خان بن سليم خان، ورد عليّ فرمان سلطاني، هذا نصه :
“كيف خرجت أنت وأخوك أروج من جزيرة ميديللي، وفتحتم الجزائر ؟ ما لغزوات
التي قمتم بها في البر والبحر حتى الآن ؟. دوّن كل هذه الحوادث بدون زيادة
أو نقصان في كتاب. وعندما تنتهي أرسل إليّ نسخة لأحتفظ بها في خزانتي “.
عندما استلمت هذا الأمر، استدعيت أحد أرباب القلم، زميلي في الكثير من
غزوات البحر “المرادي”، وأخبرته بفرمان السلطان. فبدأنا على الفور في
التدوين. أنا أملي، و” المرادي ” يكتب :
استقرار أبي يعقوب آغا في ميديللي وزواجه بأمي
عندما فتح السلطان محمد الفاتح جزيرة ميديللي، أمر الأتراك بالاستيطان في
الجزيرة، فكان أبي أحد المستوطنين الأوائل، كما كان ابنا لأحد فرسان
السباهية(2)، كما كان هو نفسه سباهيا أيضا. وكانت له في منطقة واردار
المجاورة لسلانيك أرض إقطاع وهبت له بأمر من السلطان محمد الفاتح، عندما
استقر بالجزيرة.
وهكذا، فعندما انتظمت أمور والدي من جديد، تزوج إحدى بنات أهالي الجزيرة.
كان أبي أنيقا شجاعا. أنجبت له أمي أربعة أخوة هم : إسحاق الذي كان أكبر
إخوتي، ثم أخي أروج، ثم أنا خضر، ثم إلياس. مدّ الله في عمر الجميع، ورزقهم
النصر.
كان أخي إسحاق مقيما في قلعة ميديللي. أما أنا وأخي أروج فقد كنا مولعين
بركوب البحر. اقتنى أخي أروج سفينة، وانطلق بها للتجارة في البحر، بينما
اتخذت أنا مركبا ذا 18 مقعدا. كنا في البداية نتنقّل بين سلانيك وأغريبوز،
نجلب منهما البضاعة، ونبيعها في ميديللي. إلا أن أخي أروج لم يقتنع بهذه
الأسفار القريبة. إذ كان يرغب في الذهاب إلى طرابلس الشام. وذات يوم غادر
ميديللي مع أخي الصغير إلياس، متوجهين إلى طرابلس.
وقوع أخي عروج أسيرا في أيدي كفار رودس ومكوثه عندهم بضع سنين
لم يتمكن أخي أروج من الوصول إلى طرابلس الشام، فقد صادف في طريقه سفن
فرسان جزيرة رودس، واشتبك معهم في معركة كبيرة، سقط على إثرها أخي إلياس
شهيدا، رحمه الله. بينما استولى الكفار على السفن، وأخذوا أروج أسيرا
بسفينته إلى رودس مقيدا بالسلاسل. عندما وصل الخبر إلى ميديللي، حزنت وبكيت
عليه كثيرا. لكنني شرعت في الحال أبحث عن سبيل لإنقاذ أخي.
كان لي صديق كافر يدعى كريغو يقوم بالتجارة مع جزيرة رودس. أخذته معي في سفينتي، وقدمت به إلى بدروم، وقلت له :
- “اليوم تتبين الصداقة. خذ هذه ال: 18.000 أقجة(3)، وأعنِّي على إنقاذ
أخي. اذهب إلى رودس، وانظر الأمور هناك. وسوف أنتظرك في بودروم “.
- كريغو: “على الرأس والعين”، قال ذلك، ثم مضى إلى رودس. وهناك قابل أخي أروج رئيس وقال له :
- “أخوك خِضر يسلم عليك، ويدعو لك كثيرا. وهو في غاية الحزن عليك بسبب
وقوعك أسيرا في أيدي الكفار. ولا يكاد يكف عن البكاء عليك ليلا أو نهارا.
وقد أرسلني إليك. وهو الآن في بودروم ينتظر أخبارا سارة عنك “.
عندما سمع أروج ذلك من كريغو بكى من شدة الفرح، وقال له :
- “سلّم على أخي خضر. يجب أن لا يعلم أحد سبب قدومك إلى الجزيرة، وسنلتقي في أول فرصة تتاح لنا “.
كان أروج رئيس يعرف في رودس رجلا مشهورا يدعى : سانتورلو أوغلو. كان يأتي أحيانا لرؤية أخي أروج، ويتفقد أحواله. قال له أخي يوما :
- “إن فرسان رودس لن يبيعوني لأخي خضر، لكنهم ربما يبيعونني لك. فإن هرّبتني من الجزيرة، فإنني سوف أؤدي لك ديْنك في المستقبل”.
سانترلوأغلو:
- “بكل سرور، إذا باعوك فإنني سأشتريك، لكني إذا طلبت منهم ذلك مباشرة
فإنهم سيشتبهون في الأمر. والأفضل أنك عندما تنزل إلى المدينة ذات يوم
تظاهر بمرورك على دكاني، ولكن إيّاك أن تنظر إلى الدكان مباشرة لئلا يعلموا
بأني أعرفك. سأتظاهر بأني أراك صدفة عندما تكون مارا، وأعبّر لهم عن
إعجابي بك، وأرجو الفرسان أن يبيعوك لي “.
عندما سمع أروج هذه الكلمات سُرّ كما لو صار طليقا. كم كانت حياة الأسر أليمة بالنسبة له.
في أحد الأيام، كان سانتورلو أغلو جالسا أمام الدكان يتبادل أطراف الحديث
مع فرسان جزيرة رودس، وإذا به يرى أروج رئيس مارّا أمام الدكان، كأنه يريد
الذهاب إلى الخدمة. فقال لمن معه من البحارة :
- “لمن هذا الأسير الذي يغدو ويروح. أراه دائما يمرّ من هنا يخدم بحيوية
ونشاط. لو يقبل صاحبه بيعه لاشتريته “. عندئذ قال أحد القباطنة :
- “أنا صاحبه، إذا تريد شراءه أبيعه لك ؟ “.
- “كم تريد ؟ “.
- ” أرد ألفا من الذهب “.
- ” هذا مبلغ كبير “.
- ” حسنا، أتركه لك بثمانمائة “.
وقبل أن تتم عملية البيع، أُلغيت الصفقة. فقد علم الفرسان بأن أروج تاجر معروف. وقالوا :
- ” إن أخاه خضر رئيس في بودروم، وهو مستعد لدفع 10.000 ذهبا. وإذا كانت قيمته تساوي :10.000 هل يمكن أن يباع ب: 800 ؟ “.
أعادوا لسانتورلو أوغلو ماله، واستعادوا أروج. لقد علموا قيمته الحقيقية من
كريغو، الذي كان قد احتال عليَّ في ال: 18.000 التي دفعتها له، وأعلم
الفرسان باستعدادي لإنقاذ أروج.
وعلى إثر هذه الحادثة، ألقى الرودسيون أروج في زنزانة تحت الأرض، لكي لا
أجد أيَّ حيلة تمكنني من إنقاذه. وجعلوا يعذبونه أكثر من ذي قبل. وضعوا
الأغلال في يديه ورجليه وعنقه. إلا أنهم كانوا يعطونه من الطعام ما يسدّ به
الرمق.
لم يتمكن اروج من تحمّل هذا العناء كثيرا. فطلب مقابلة ضابط الزنزانة التي حُبس فيها. فأذن له في ذلك. وعندما خرج سأله الضابط :
- ” لماذا جئت ؟ “.
- ” ما لذي تريدونه من وراء هذا الإيذاء الذي تلحقونه بي ؟ “.
- ” اعلم أيها التركي : كيف تحاول إنقاذ نفسك بدفع 800 ذهبا. إن أخاك خير
الدين رئيس ينتظر إنقاذك بمال الدنيا في بودروم. فهل تظن أنه لا علم لنا
بذلك ؟ أم تظن أننا حمقى ؟ “.
- ” كم تريدون أن أدفع لكم، لإطلاق سراحي ؟ “.
- ” وأنت، كم تدفع ؟ كم تقدر نفسك ؟ “.
- ” أنا أقدّر نفسي بجميع محصول الروملي من الشعير، وجميع المصاريف اليومية
التي تدفع في الأناضول، بالإضافة إلى 100.000 ذهبا، أدفعها لكم ” !!!!.
- ” أيها المجنون ؛ استمر في سخريتك وتهكمك. سوف ترى كيف تكون عاقبتك “.
بعد هذه المحاورة، أمر الضابط الحانق رئيس السّجّانين بمعاملة أروج أسوأ
مما كان يعامله من قبل. انزعج أروج كثيرا من هذا الوضع. وفي إحدى الليالي
كان يبكي، ويدعو في زنزانته وحيدا :
- ” يا رب : أنت الذي تهب الفرَج للعاجزين، فأغث عبدك الضعيف بجاه حبيبك صلى الله عليه وسلم، وعجّل إنقاذي من ظلم هؤلاء الكافرين “.
قضى أروج تلك الليلة يدعو في ذِلَّةٍ وانكسار، حتى سقط في الحمأة، وغلبه
النوم من شدة التعب. فرأى في منامه شيخا مشرق الوجه يقول له :
- ” يا أروج : لا تحزن بسبب ما أصابك من الأذى في سبيل الله ؛ فإن خلاصك قريب “.
استيقظ أروج في غاية السرور لهذه الرؤيا، وقد تلاشت همومه، وانشرح صدره.
وفي ذلك الصباح، اجتمع كل قباطنة رودس. كانوا يتحدثون عن أمر أروج.فقال
أحدهم :
- ” إن أعمال البحر ليست ثابتة. اليوم أروج، وغدا نحن. أرى أن الاستمرار في إيذاء هذا التركي ليس صوابا “.
وعلى هذا فقد قرروا إخراج أروج من الزنزانة، وربطه في إحدى السفن حيث صار أسيرا جذافا بها. ومع هذا فقد كان يقول :
- ” إن العمل في الجذف على سطح البحر نعمة بالنسبة لمن رأى الأذى تحت الأرض. يا رب لك الحمد، فقد رأيت وجه العالم “.
الحلقة القادمة: فرار أخي عروج من سفينة فرسان رودس ونجاته
________________________________________
(1) بربروس = اللحية الحمراء
(2) السباهي : اصطلاح يطلق على الفرسان الذين كانوا يستفيدون من أراضي
الإقطاع التي كانت تمنح لبعض العسكريين مقابل دفع ضريبة الخراج لخزينة
الدولة، والمساهمة في نفقات الحرب مع الاشتراك في الحرب بنفسه عند الحاجة
إليه.انظر :M. Zeki Pakalın , Osmanlı Tarih Deyimleri ve Terimleri
Sözlüğü. c. III. s. 230. M.E.B. İstanbul: 1993
(3) أقجة : تعبير يطلق على العملة الفضية التي كانت مستعملة في عصر خير
الدين بربروس. انظر:Osmanlı Tarih Deyimleri ve Terimleri
sözlüğü. c. III. s. 31
فرار أخي أروج من سفينة فرسان رودس ونجاته
مذكرات خير الدين بربروس
ترجمها عن التركية: د. محمد دراج
في تلك الفترة كان الأمير كركود واليا على أنطاليا. وكان قد تعود على أن
يشتري في كل سنة مائة من الأسرى الأتراك من فرسان جزيرة رودس، ويعتقهم في
سبيل الله. فأرسل في تلك السنة حاجبه إلى رودس. فقام الرودسيون بفرز المائة
أسير تركي، وتسليمهم إليه. كانت الاتفاقية تقضي بأن يحمل الأسرى في سفينة
رودسية إلى سواحل أنطاليا. فقدر الله تعالى أن تختار السفينة التي كان أروج
مقيدا بها لنقل الأسرى. ونظرا لقيمة أروج فإن الرودسيين لم يجعلوه ضمن
المائة أسير الذين سيتم الإفراج عنهم.
كان أروج رئيس رجلا خفيف المزاج، متقنا للكثير من اللغات، لاسيما الرومية
التي كان يتكلمها بشكل لا مثيل له. وكثيرا ما كان يتبادل أطراف الحديث مع
القباطنة الرودسيين الذين يجيئون إلى سفينته وذات يوم قال القباطنة لأروج:
- “أيها التركي: أنت رجل حلو الحديث، خصوصا بلساننا الذي تعرفه جيدا. ما
لذي وجدته في الإسلام ؟ تعال ادخل في ديننا وسوف يكون لك شأن كبير بيننا”!!
فأجابهم أروج قائلا:
- “أيها المجانين: كل شخص يروقه دينه. هل يوجد نبي أفضل من النبي محمد فأؤمن به؟”.
- “إذن لتبق على حالك، وننظر كيف يخلصك نبيك من أيدينا. والآن لتستمر في الجذف”.
يجب أن تحذروا من أروج
قال قسيس السفينة التي قيِّد فيها أروج للقباطنة محذرًا:
- “يجب أن تحذروا مما يقوله أروج، فلا تتحدثوا معه كثيرا. إنه يبدوا
متعلما، ويعرف عن الإسلام أكثر مما أعرف عن المسيحية.. إياكم أن تغفلوا،
فهو ملحد قادر على إضلالكم جميعا”.
رست السفينة الرودسية في مكان موحش قريب من أنطاليا. حيث أُنزل حاجب الأمير
كركود، ومعه المائة أسير، فُتركوا هناك. وفي تلك الليلة كانت تهبُّ ريح
معاكسة، قرر الرودسيون بسببها انتظار الصباح. ثم قاموا بإنزال قارب السفينة
والمضيِّ لصيد السمك. في هذه الأثناء هبَّت عاصفة شديدة لم يتمكن القارب
بسببها من الدنوِّ من السفينة. فرسى في مكان بعيد من الساحل. انتهز أروج
هذه الفرصة التي لم يكن فيها أحد يستطيع أن يرى فيها الآخر من شدّة الظلام
الذي كان مُخيِّما على المكان. فحلَّ قيوده، وألقى بنفسه في البحر قائلا:
“بسم الله الرحمن الرحيم”. وراح يسبح حتى وصل إلى الساحل بسلام.
سجد شكرا لله، ثم سار حتى وصل إلى قرية تركية. وبينما هو يلتفت يمينا
وشمالا باحثا عن شيء يستدل به على مكان وجوده إذا به يجد أمامه عجوزا تركية
تقول له:
- “تبدوا كأنك قد جئت من طريق بعيد يا بنيَّ. تعال انزل عندي ضيفا في هذه الليلة”.
أخذت العجوز أروج رئيس إلى بيتها، وأحضرت له الطعام، فأطعمته، وسقته، وغيرت
له ملابسه. وأمضى عشرة أيام في تلك القرية التي كان أهلها يختصمون على
استضافته في كل ليلة.
وأما الرودسيون فإنهم عندما حلَّ الصباح، وجدوا مكان أروج خاليا. فأدركوا
أنه قد فرَّ. وعندما يئسوا من العثور على أروج راحوا يتساءلون في حيرة
وقلق: “بأي وجه سنعود إلى رودس؟”
رجعوا إلى رودس والحسرة تأكل قلوبهم.وأما قسيس السفينة فقد أعلمهم بأن: “معرفة أروج بالسحر هي التي مكنته من الفرار”.
ودَّع أروج العجوز، وغادر القرية. كان يريد الذهاب إلى ميديللي. فوصل إلى
أنطاليا خلال ثلاثة أيام. حيث كان هناك رجل مشهور يدعى علي رئيس، يملك
سفينة من نوع “قليون”. يشتغل بالتجارة بين الإسكندرية و أنطاليا. وقد بلغته
شهرة أروج رئيس.رحب بأروج قائلا:
- “أهلا وسهلا بك يا بني، إن السفينة ليست لي، بل هي سفينتك”. وبهذا صار أروج قبطانا ثانيا لسفينة علي رئيس.
في هذه الأثناء، يئست من الانتظار في بودروم، فرجعت إلى ميديللي. وعندما
وصل أخي إلى الإسكندرية بعث من هناك رسالة إلى ميديللي شرح فيها مغامرته.
سررت كثيرا بنجاة أخي، وخلاصه من الأسر.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الحلقة القادمة: أخي يدخل في خدمة سلطان مصر
أخي يدخل في خدمة سلطان مصر
مذكرات خير الدين بربروس
ترجمها عن التركية: د. محمد دراج
سمع سلطان مصر بشهرة أخي، فاستدعاه إليه. وعندما مثُل بين يديه، عرض عليه
الدخول في خدمته. ذلك لأن السلطان كان يريد أن يبعث بأسطول إلى نواحي
الهند. وإذ وافق أروج على عرض السلطان فإن هذا الأخير قد عينه قائدا
للأسطول.
كتب السلطان مرسوما ملكيا إلى والي أضنة يأمره فيه بأن يرسل إلى ميناء
باياس بخليج الإسكندرون ما يكفي لصناعة 40 قطعة بحرية من الأخشاب. أعدّ
والي أضنة الأخشاب المطلوبة، وأرسلها إلى ميناء باياس. ولم يلبث أروج رئيس
أن خرج في 16 سفينة إلى باياس لأخذ الأخشاب ثم يتجه بعدها إلى مصر.
علم الرودسيون بأن أروج قد صار قائدا لأسطول سلطان مصر فراحوا يترقّبون
الفرصة للقضاء عليه. وعندما بلغهم مجيئه إلى باياس قاموا بالإغارة عليه
بأسطول كبير.
أدرك أروج رئيس خطورة موقفه فقام بإخراج جميع سفنه إلى البر، وانسحب
ببحارته إلى الداخل. حيث صرفهم بلدانهم، بينما جاء هو إلى أنطاليا. وهناك
أمر بصناعة سفينة ذات 18 مقعدا، أغار بها على سواحل رودس، ولم يعط الكافرين
فرصة التقاط أنفاسهم.
قال الأستاذ الأعظم:
- “لقد ظهر قرصان يدعى أروج رئيس، يملك سفينة ذات 18 مقعد. لا يكاد ينجو
منه أحد. إنه يقوم بالاستيلاء على أموالنا، وإحراق بلادنا. وكثيرا ما يأسر
أطفالنا ويأخذهم إلى طرابلس الشام حيث يبيعهم في أسواقها، حتى صرنا لا نقدر
على ركوب البحر خوفا من شره. لقد كنت قلت لكم بأن لا تخرجوا هذا التركي من
الزنزانة من تحت الأرض. لكن لم تسمعوا قولي، فأخرجتموه، وجعلتموه جذافا في
السفينة. والآن اذهبوا وتخلصوا منه بسرعة.
انطلق الرودسيون خلف أروج في خمس أو ست قطع بحرية، وراحوا يبحثون عنه في كل
مكان. وأخيرا أغاروا على أحد الموانئ، فأحرقوا سفينة أخي أروج، إلا أنه
تمكن من النجاة مع بحارته، وعاد إلى أنطاليا.
أُخِذت سفينة أروج إلى ميناء رودس، وشُهِّر به على رؤوس الخلائق. لكن عدم
تمكن الفرسان من أسر أروج واقتياده إلى رودس أثار سخط الأستاذ الأعظم الذي
صرخ فيهم قائلا:
- “السفينة لأروج، لكنه ليس موجودا فيها”!!
في الوقت الذي رجع فيه أروج إلى أنطاليا كان الأمير كركود ابن السلطان
بايزيد الثاني قد غادر (تكة) أنطاليا، إلى (سار وخان) مانيسا التي عُيِّن
واليا عليها. وكان للأمير كركوت خازن يقال له: “بيالة باي”. وهذا الأخير
كان أروج قد أهدى إليه غلاما إفرنجيا ؛ كما كانت تربطهما صداقة حميمة.
وعندما وقع أروج في هذه الظروف الصعبة وبقي بدون سفينة، قام بيالة باي بعرض
وضعيته على سيده الأمير كركوت فقال له:
- “إن أروج رئيس، عبد من عبيدكم المجاهدين، وهو يقوم بمجاهدة الكفار ليلا
ونهارا. فحقق انتصارات كبيرة عليهم. والآن - وقد فقد سفينته - فهو يحتاج
إلى أن تتفضلوا عليه بسفينة يغزو عليها”.
كان الأمير كركوت قد بلغته شهرته أروج، فقبل تحقيق رغبته بسرور. فدعا أروج
للمثول بين يديه. وعندما جاءه احتفى به، وأكرمه، وقال له مُسَلِّيًا:
- “لا تأس، فإني لن أتركك بدون سفينة”. ثم لم يلبث أن كتب أمرا إلى قاضي إزمير كتابا قال له فيه:
- “إذا جاءك كتابي هذا، فعليك أن تأمر بصنع سفينة من نوع (قاليتة) دون
تأخير، وذلك حسب رغبة ولدي أروج، حتى يتمكن من مجاهدة الكفار عليها
والانتقام منهم”. كما قام بيالة باي بكتابة أمر إلى أمير الجمارك بإزمير
جاء فيه:
- “إن أروج أخونا في الدنيا والآخرة. فلا تحرمه من عونك. عليك أن تأمر بصنع
سفينة ذات 22 مقعدا، وأن تقوم بالإشراف عليها بنفسك. كما يجب عليك أن تقوم
بتسليمها إلى أروج في أقرب وقت ممكن. وأن تكتب جميع مصاريف تجهيز السفينة
في حساب سيدي الأمير كركوت”.
جاء أروج إلى إزمير، فسُلمت له السفينتان في الموعد المحدد: إحداهما تلك
التي كان قد أهداها له الأمير كركوت، وأما الثانية فكانت ملكا لبيالة باي،
وقد وضعت تحت تصرف أروج.
قام أروج بتجهيز السفينتين، وجمع بحارته وانطلق بهم إلى (فوجا). كانت سفينة
أروج ذات 24 مقعدا، وأما سفينة بيالة باي فقد كانت ذات 22 مقعدا. لقد تم
صنع هاتين السفينتين خلال ثلاثة أشهر ونصف.
رست السفينتان في ميناء (فوجا). فتوجه أروج رئيس من هناك إلى (مانيسا)، حيث
نزل في قصر بيالة باي، فمكث هناك ثلاثة أيام ضيفا. وبعد ثلاثة أيام مثُل
بين يدي الأمير كركوت، فقبَّل يده. أثنى عليه الأمير ودعا له قائلا:
- “أسأل الله أن ينصرك في جميع غزواتك”.
ودّع أروج الأمير كركوت و بيالة باي في مانيسا، ثم عاد إلى (فوجا). فأمضى
تلك الليلة مستغرقا في الدعاء والعبادة. وفي الصباح الباكر من اليوم التالي
أقلع بسفنه. فلقي بعد عدة أيام سفينتين من سفن البندقية في عرض البحر،
فاستولى عليهما. فإذا بهما محملتان بـ: 24.000 قطعة ذهبية. فأخذت هذه
الأموال وغيرها غنيمة. لقد استغنى البحارة بذلك كثيرا. كيف لا يستغنون، وقد
حازوا دعاء ابن عثمان الأمير كركوت. إن من فاز بدعاء السلطان تكون عاقبته
خيرا، ومن دعا عليه السلطان فإنه يظل يتخبط من كارثة إلى أخرى.
خاض أروج هذه المعركة في سواحل بوليا، ومن هناك توجه إلى سواحل الروم،
فصادف في عرض مياه جزيرة (أغريبوز) ثلاث سفن بندقية أخرى. عندما رأى كفار
البندقية سفن أروج رئيس، شرعوا في إطلاق قذائفهم عليه. قام أروج بتشجيع
بحارته على الصمود. فاقتربوا من السفن البندقية التي كانت قد حولت البحر
إلى جحيم بقذائف مدافعها.
اقتربت السفن من بعضها البعض، فقفز البحارة إلى سفن الكفار، واستولوا عليها، بعدما أخذوا 285 أسير، وقتلوا 120 بندقيا.
نقلت الأموال التي كانت في السفن البندقية إلى سفن أروج رئيس. كانت السفن
تبدو السلحفاة من ثقل الغنائم التي كانت تحملها. إذ لم تعد قادرة على
الحركة. فأتوا إلى ميديللي في احتفال كبير.استقبلت أنا وأخي إسحاق أروج في
الميناء رفقة جميع أقاربنا. قبَّلنا بعضنا وتعانقنا بحرارة وشوق كبيرين.
ذلك لأنه كانت قد مضت سنوات طويلة على مغادرة أروج رئيس لميديللي.
قرر أخي مغادرة ميديللي إلى إزمير لمقابلة ولي نعمته الأمير كركوت و أخيه
بيالة باي. لكن في هذه الأثناء وصل خبر جلوس السلطان سليم خان على عرش
السلطنة، ومعاداته لأخيه الأمير كركوت الذي فر من شدة الخوف. حزن أخي أروج
كثيرا لهذا الخبر، فقال له أخي الأكبر إسحاق:
- “يجب أن تذهب من هنا وتقضي هذا الشتاء في الإسكندرية، ثم ننظر ما الذي
يحدث؟ إن السفينة التي لديك من إحسان الأمير كركوت، فقد يصيبك من ذلك ضرر”.
وقبل أن يبقى لأخي أروج وقت لإطفاء حرارة الشوق ودّع كل منا الآخر وغادر
ميديللي. فاستولى في سواحل جزيرة كربة Kerpe على سبع سفن للعدو ومضى إلى
الإسكندرية. عندما وصل إلى هناك علم السلطان بوصوله مع يحيى رئيس بسبع قطع
بحرية من الغنائم. كان أروج رئيس في غاية الحرج من سلطان مصر بسبب فقدانه
السفن التي منحها له. وذلك عندما استولى عليها الرودسيون حينما أغاروا عليه
في باياس Payas. ولكي يفوز بعفو السلطان فقد خص هذا الأخيرَ بقطع بحرية
عظيمة من أموال الغنائم، كما اختار أربع جواري، وأربعة غلمان، وقدمها له.
سُرّ السلطان بذلك كثيرا، وأحسن ضيافته هو ورفاقه. ثم قال له:
- “إن الله عفوٌّ يحب العفو. وقد عفوت عنك يا قبطان أروج. حقيقة لقد تركت
16 مركبا تحترق، لكنك لم تدع أحدا من البحارة الذين كانوا فيها يُصابون
بأذى، فأنقذتهم جميعا. ولم تترك أحدا منهم يقع في الأسر. فأنا لم آسف
لاحتراق سفني، إذ الأيام دول، وكل شيء يمكن أن يحدث. وإنما أسفت لعدم مجيئك
إليَّ. لقد عفوت عنك، وأشكرك إذ أخذت بخاطري من جديد”. قال ذلك، وبالغ في
إكرام أخي، وكافأه بأكثر من الهدايا التي أتحفه بها.
استأذن أخي، وعاد من القاهرة إلى الإسكندرية. وكان السلطان قد كتب أمرا
ملكيا إلى واليه بالإسكندرية يأمره فيه بإكرام أخي ورفاقه، فقام الوالي
بإكرامهم وحسن ضيافتهم. وقضى أخي هناك وقتا ممتعا.
حل الربيع، فكتب أخي إلى السلطان يستأذنه في الخروج للغزو، فأذن له بذلك.
فركب البحر متوجها إلى سواحل قبرص حيث استولى على خمس مراكب بندقية
Venedik. ومن هناك توجه نحو الغرب فوصل إلى جزيرة جربة بتونس حيث باع
غنائمه لتجار الجزيرة. فكان نصيب كل بحار 25 ذراعا من جوخ البندقية، و4
بنادق، و4 مسدسات، و 171.5 قطعة ذهبية.
وجد أروج سفينة ذاهبة إلى الإسكندرية، فبعث فيها إلى سلطان مصر أغلى أنواع
الجوخ، والبنادق، والمسدسات، بالإضافة إلى غلام في الثالثة أو الرابعة عشر
من عمره. فقال السلطان لما وصلته هذه الهدايا:
- “إذا كان في هذه الدنيا من يرعى حق النعمة، ويعرف الفضل لأهله، فهو ولدي القبطان أروج”.
وهكذا دعا لأخي كثيرا، وتوثقت أواصر المودة بينهما. واستمر أخي في اقتناص
سفن الأعداء في سواحل جربة، إذ استولى على 5 أو 10 سفن أخرى.
—————
الحلقة القادمة: ظننت أن العالم كله صار ملكا لي
ظننت أن العالم كله صار ملكا لي
مذكرات خير الدين بربروس
ترجمها عن التركية: د. محمد دراج
تعالوا نتعرف على أوضاع البلاد : عندما جلس السلطان سليم خان على العرش ،
وقع خلاف بينه وبين أخيه الأمير قورقود، فأرسل إليه السلطان سليم جيشا، فلم
يدع مكانا لم يبحث عنه فيه، إلا أنه لم يتمكن من العثور عليه. في ذلك
الوقت كان القبطان باشا إسكندر باشا. كان رجلا في غاية الجور والظلم.
لم يكن يأذن لأحد بركوب البحر ولو على قارب صغير ذي مجدافين .وكثيرا ما قام
بإيذاء البحارة بدعوى أنهم من رجال الأمير قورقود . عندما بلغني ذلك قررت
مغادرة ميديللي ، فحمّلت سفينة قمح ، ثم مضيت بسرعة إلى طرابلس الشام ، حيث
استبدلت القمح بالشعير ، ثم ذهبت إلى بروزة حيث بعت شعيري ، واشتريت بعض
الأفراس ، والبغال . ثم رسوت في جزيرة أياماوري المقابلة لبروزة . فرأيت
سفينة ذات 24 مقعدا راسية في الميناء . أعجبت بها كثيرا ، فسألت عن صاحبها
فقيل لي بأنها لقبطان تركي يدعى : القبطان فتاح . كان القبطان فتاح قد توفي
قريبا ، فأرسل ورثته السفينة إلى هناك لبيعها .لقد أُغرمت كثيرا بهذه
السفينـة ، وكنت مستعدا لدفع أي مبلغ يريده أصحابها . وفي النهاية اتفقت
معهم على ستة أكياس من الفضـة . وعندما اشتريت السفينة خيل إليَّ وكأن
العالم كله قد صار ملكا لي . ركبت سفينتي ، وأخذت بقية القطع . فجُبت البحر
المتوسط طولا وعرضا . إلى أن أتيت جزيرة جربة . فالتقيت بأخي أروج هناك .
وبينما نحن نفكر إلى أين نذهب ، حتى قررنا التوجه إلى تونس .وقلنا : ” ما
دام الموت هو نهاية كل حي ، فليكن في الغزو في سبيل الله ” .
كنت أنا وأخي ، ويحيى رئيس . ركب كل منا سفينة ، وأتينا تونس فدخلنا على السلطان ، و قدمنا له الهدايا ، ثم قلنا له :
-” نريد أن تتفضل علينا بمكان نحمي فيه سفننا . ونحن نقوم بالجهاد في سبيل
الله . والغنائم التي نغنمها سوف نبيعها في أسواق تونس ، فيستفيد المسلمون .
وتنتعش التجارة . كما نعطيك 1/8 من الغنائم التي نحصل عليها “.
سلطان تونس :
- ” إن ما تقولونه منطقي جدا . ” أهلا وسهلا بكم ، البلد بلدكم ” .
بارك الله في غزوكم
منحنا السلطان ميناء حلق الوادي ، فقضينا الشتاء هناك . وعندما حل الربيع
ركبنا البحر . بخمس قطع بحرية . كانت سفينتي أسرعها .فبلغنا جزيرة سردونيا ،
وهناك استولينا على سفينة أحد القراصنة . كان فيها 150 أسيرا.
وفي هذه الأثناء بدت لنا في الأفق والعياذ بالله . كان ذراعي الأيمن دلي
محمد قبطانا لإحدى السفن كأنها جبل كشيش سفننا ، كان شابا شجاعا ، قال لي:
- ” سيدي القبطان ، أرجو أن تأذن لي في الذهاب لأستولي على تلك السفينة ” .
ولكي آخذ بخاطر دلي محمد فقد أذنت له بأن يمضي ليستولي عليها . كانت سفينته
تبدو صغيرة جدا أمام سفينة العدو وكأنها غلاف حبة البندق . أما نحن فقد
تعقبنا سفينة دلي محمد ، وعندما حاذينا السفينة . لم نجد بها أحدا . لقد
ركبوا قواربهم وفروا عندما رأوا سفننا . صعدنا إلى السفينة ، كانت مشحونة
قمحا . سلمنا على دلي محمد وقلنا له :
- ” غزو مبارك ” .
وفي الصباح التالي ، استولينا على سفينتين أخريين . إحداهما كانت محملة
بالعسل ، والزيتون ، والجبن . أما الأخرى فقد كانت سفينة جنوية محملة
بالحديد .
وصلنا إلى تونس على أصوات طلقات المدافع ، مثقلين بغنائم كالجبال . أخذ
جميع الغزاة قدر ما يريدون من الغنائم . كما قمنا بفرز حصة السلطان ،
وتصدقنا بمال كثير على الفقراء ، فنلنا منهم كثيرا من الدعاء .
بدأ الكفار يهابوننا
أمضينا الشتاء في تونس أيضا ، وعندما حل الربيع خرجنا للغزو . وصلنا خلال
ثلاثة عشر يوما إلى ميناء أنابولي بجزيرة مورة . فصادفنا مركبا كبيرا
متوجها إلى إسبانيا . كان فيه ما بين 300 إلى 400 مقاتل .رفعنا راياتنا
الذهبية وشرعنا في قصفهم . حاولنا سبع مرات الاقتراب من المركب ، وفي المرة
السابعة تمكنا من محاذاتـه . فجرت معركة كبيرة تمكنا على إثرها من
الاستيلاء عليه . سقط 150 شهيدا من رفاقنا ، وجرح 86 منهم . و تبين لنا أنه
كان في السفينة 525 شخصا ، أسرنا منهم 183 ، وأما الآخرون فقد كانوا قد
قتلوا . كان من بينهم واليا لإحدى المقاطعات الكبيرة بإسبانيا . استولينا
على سفينة أخرى ثم رجعنا إلى تونـس .كان أخي أروج قد جرح ، فتمت معالجته في
تونس .كان من بين الغنائم التي حصلنا عليها : 70 إلى 80 ببـغاء ، و 20
بازيا. قمنا بإهدائها إلى سلطان تونس . بعد هذه الغزوة شاع أمرنا في كل
ممالك الكفر . فاتفقوا على القضاء علينا قائلين :
- “لقد ظهر تركيان اسمهما : أروج ، وخير الدين خضر . يجب أن نسحق هاتين
الحيتين قبل أن تتحولا إلى تنين . علينا أن نمحو اسمهما من على وجه
الأرض . والآن إذا أتحنا لهما الفرصة فإنهما سوف يسببان لنا متاعب كثيرة .
وهكذا أعد الكفار عشر قطع إعدادا جيدا لإلقاء القبض علينا. لكننا كنا قد
ركبنا البحر بحرية من نوع قادرغة قبل وصولهم . كنا نريد التوجه إلى جنوة ،
إلا أنه بسبب مخالفة الرياح توجهنا إلى سواحل الجزائر . فرسونا أمام قلعة
تدعى : “بجاية” . وأما السفن الإسبانية ، فإنها عندما لم تعثر علينا في
سواحل جنوة ، فقد توجهت إلى بجاية . كان الاشتباك معها على الساحل فيه
خطورة كبيرة ، ولذلك فقد ركبنا البحر بسرعة . ظنت السفن الكافرة أننا فررنا
منها ، فانطلقت خلفنا .
وعندما ابتعدنا عن الساحل بمسافة كافية ، أمرنا أخي أروج بالعودة والاقتراب
من السفن الكافرة . دهش الكفار لهذه المناورة التي لم تكن متوقعة ، فجرت
معركة كبيرة . أسرعنا إلى سفينة القيادة . وما إن استولينا عليها مع ثلاث
سفن أخرى ، حتى لاذت السفن الباقية بالفرار نحو بجاية محتمية بقلعتها .
أراد أخي أروج أن يدخل تحت القلعة ليستولي على السفن . كنت أريد منعـه ،
لأن وضعه كان خطيرا جدا .كان الأحوط أن نأخذ السفن الأربعة ، ونرجع إلى
تونس ، ونترك السفن الستة الباقية لحالها .
—————-
الحلقة القادمة : أربع سفن صارت أربعة عشر
غير موجودة
الحلقة السادس عشرة، الدخول إلى الجزائر
مذكرات خير الدين بربروس
بعد أن فرغت من حل مسألة ابن القاضي وغيرها أصدرت أوامري بالمسير، حيث
وصلنا إلى مدينة الجزائر بعد ساعة. فخرج أعيانها إلى ظاهر المدينة
لاستقبالنا. وعندما دخلنا المدينة مررنا عبر شوارعها التي اكتظت بالأهالي
الذين راحوا يصفقون بحرارة تعبيرا عن ابتهاجهم بقدومنا. وسرنا حتى بلغنا
منازلنا القديمة التي كنا نقيم فيها من قبل.
عندما استقريت في الجزائر بذلت كل ما في وسعي لإعادة النظام والأمن إلى
مدينة الجزائر. وفي الوقت ذاته أرسلت إلى سنان رئيس لكي يُحضر عائلتي وسفني
إلى الجزائر. فخرج سنان رئيس من جيجل في 33 سفينة، وعندما كان يهم بالدخول
إلى ميناء الجزائر أطلق قذائف المدفعية تعبيرا عن تحيته ، فرددت عليه
التحية بإطلاق قذائف مدفعية من قلعة الجزائر .
هذا ما كان يحدث في الجزائر. أما في تلمسان، فإن سلطانها الذي أجلسته على
عرشها فإنه انتهز فرصة خروجي من الجزائر، ليقوم بإلغاء السكة التي كان
يسكها باسم سلطانها المعظم، ويقوم بضرب العملة باسمه. فكتبت إليه ـ بعد
استقراري في الجزائر ـ أقول له:
” عليك أن تضرب النقود باسم خليفة الزمان، وترسل دون تأخير الضرائب
المتأخرة إلى الجزائر، والتي بلغت 39000 دوقة. إن إلغاء النقود التي كانت
تضرب باسم خليفة رسول الله r جرم عظيم. عليك أن تجدد إيمانك في الحال، وإلا
فإني سوف أمحوك من الأرض مثلما فعلت بابن القاضي“
عندما استلم الأمير عبد الله رسالتي قام بتمزيقها ورميها. فقررت على إثر
ذلك مساندة ابنه الأمير محمد، الذي كان قد خرج على أبيه رغبة في خلعه
والجلوس على عرش تلمسان. فلجأ إلى الجبال في 2000 فارس.
أعددت جيشا وسرت به إلى تلمسان. فلحق بنا في الطريق الأمير عبد الله. فقبل
يدي وانضم إلى جيشي. في هذا الوقت كان الملك عبد الله قد خرج من تلمسان
وسار إلينا. فالتقينا في مازونة حيث اشتبكت قواتنا هناك. تمكن جيشي من
تشتيت قوات الملك عبد الله وأسره. فأمرت على الفور بضرب عنقه، وألبست ابنه
الخلعة السلطانية وأجلسته على عرش تلمسان.
أمرت 400 بحار بمرافقة الأمير الجديد إلى تلمسان. فقام هذا الأخير فور
وصوله بدفع الضرائب المتأخرة، والتي كانت تقدر بـ90.000 دوقة سلمها إلى
بحارتي، وهم بدورهم قاموا بإرسالها إلى الجزائر. لقد كان أهالي تلمسان
سعداء جدا بأميرهم الجديد.
في هذه الأثناء تمكن بحارتي من القبض على فرحات ابن أخي ابن القاضي وأحضروه
إلي. فطلب العفو معتذرا بأنه لم تكن له صلة بتمرد عمه الشيخ ابن القاضي.
وأنه يلتزم بدفع 20.000 دوقة متعهدا أنه سيكون خادما وفيا لي. فعقدت معه
معاهدة التزم فيها بأنه لا ينزل من جبال القبائل دون إذني، وأن يدفع سنويا
10.000 ذهبا و 1000 جمل و 1000 بقرة و 2000 شاة و 100 بغل و 20 فرسا.
عندما رجعت إلى الجزائر، قسمت أسطولي إلى مجموعات بحرية صغيرة، وأرسلتها
للغزو تحت إمرة سنان رئيس. في الليلة السابقة لخروجها إلى الغزو رأيت في
المنام رؤيا صالحة جعلتني أشعر بأنها ستكون غزوة مباركة. وبالفعل عادت 6
سفني تجر 6 سفن تم غنمها من الكفار. كانت إحداها مشحونة بالبارود والرصاص
وقذائف المدفع، إضافة إلى 60 قذيفة من البرونز كل واحدة منها تزنا ما بين
18 إلى 24 أقجة. شعرت بسرور عارم لهذه الغنائم لأننا كنا في حاجة إليها.
أما السفينة الثانية فقد كانت مشحونة بالنفط، والقطران، والأعمدة،
والألواح. وأما الثالثة فكانت تحمل الزيتون، وزيت الزيتون، والجبن، والعسل.
وأما الرابعة فكانت مشحونة بالسكر، بينما كانت الثانيتين الأخيرتين تحملان
أموالا نفيسة.
عاد الأسطول الأول إلى الجزائر مشحونا بالغنائم أكثر من غيره من الأساطيل
الأخرى. وفضلا عن هذا فإن أي سفينة من سفني الـ35 لم تصب بأذى. فالحمد لله
حمدا كثيرا على فضله.
كان الإسبان قد شيدوا قلعة حصينة على أرض صخرية تدعى:” البنيون “ تقع في
عرض البحر على مسافة 300 متر من مرسى الجزائر. كانت القلعة قد أسندت
حراستها إلى مئات الجنود المتحصنين بها مزودين بمئات المدافع، يقودهم نبيل
عجوز يدعى دون مارتين دي فيرغاس، عرف قديما بأنه أحد القباطنة المشهورين.
لم يكن باستطاعة الإسبان أن يجعلوا على القلعة عدد كبيرا من الجنود نظرا
لضيق مساحتها. لم يكن باستطاعة هؤلاء الجنود أن ينزلوا إلى البر. حتى الماء
الذي يشربونه كانوا يأتون به من جز البليار.
قديما كان الإسبان يمطرون مرسى الجزائر بقذائفهم، فيضطر أهالي المدينة إلى
الخضوع لهم وقبول ما يملونه عليهم. أما الآن فلم يفعلون ذلك بسبب خوفهم
منا. إلا أننا كنا نرى ترك هذه الصخرة في يد الإسبان أمرا غير وجيه.
فاقترحت على قائد القلعة الإسباني دون مارتين تسلم القلعة والانسحاب منها
دون أن يصابوا بأذى فرفض ما عرضته عليه. عند ذلك شرعت في قصف القلعة
بالمدافع على مدى عشرين يوما ليلا ونهارا، إلى أن تمكنت من اقتحامها. وبعد
معركة كبيرة أعلن دون مارتين مع 700 من رجاله استسلامهم.
المصدر : أسبوعية المحرر