الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن الدعاء نوع من أنواع العبادة ، يتصل فيه الإنسان بالله تعالى ، يبرء من
حوله وقوته ويلجأ إلى الله تعالى راجياً منه فضل نعمة أو متمنياً زوال بأس
ونقمه . هذا الدعاء سبب تنال به المكرمات ، وتدفع به المآسي والويلات ،
فكم من دعاء جلب من خير ! وكم من دعاء حال دون وقوع الويل . وليت شعري من
يفقه قول عمر حين قال : إني لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء .
وصدق رحمه الله تعالى فإن كثيراً من الناس تغفل عن هذا الجانب وفيه سر
حياتها ، وتحقيق آمالها . لقد كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدر
الله تعالى حافظاً لهذه الأمة من الضياع ، وجالباً لها الخيرات . جاء ذلك
في مارواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله
عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : (( رب إنهن أضللن كثيراًَ من
الناس فمن تبعني فإنه مني )) الآية . وقال عيسى عليه السلام : (( إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم )) فرفع يديه وقال : ((
اللهم أمتي أمتي )) وبكى . فقال الله عز وجل : ياجبريل ! اذهب إلى محمد
وربك أعلم فسله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله فأخبره
رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال : وهو أعلم فقال الله : ياجبريل !
اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك .(68) . وقد جاءت
النصوص الشرعية بفضائل عظيمة ، وخيرات متكاثرة تتحقق بالدعاء أرشد إليها
نبي الهدى صلى الله عليه وسلم ومنها : : أن الله يجيب الداعي إلى ما دعاه
كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم
يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ، وذلك كل ليلة
))(69) ومن فضائل الدعاء أن له بدعوته إحدى ثلاث كما قال صلى الله عليه
وسلم : (( ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا اعطاه
الله إحدى ثلاث : إما أن يعجّل له دعوته ، وإما أن يؤخرها له في الآخرة ،
وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ))(70) . ومن فضائل الدعاء أنه ينفع في
رد البلاء قال صلى الله عليه وسلم : (( لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع
مما قد نزل ، ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيتعالجان
إلى يوم القيامة .(71) . ولو لم يكن في الدعاء إلا ماذكر لكان حري بالمسلم
التزامه في كل وقت وحين . ومن أعظم الأوقات التي تكون مظنّة الإجابة في
هذا الشهر الكريم الدعاء قبل الإفطار فإن هذا الوقت مظنة إجابة خاصة إذا
إقبل الصائم بكليته على الله تعالى ، وألح على الله تعالى في الدعاء ، فإنه
مقدم بين يدي الله تعالى في هذا الوقت أعظم الصدقات هذا الصوم العظيم الذي
تكفل الله بمجازاة الصائم عليه من قبله سبحانه وتعالى . وكذلك من الأوقات
الفاضلة آخر الليل من كل ليلة فإنه وقت مبارك قال صلى الله عليه وسلم :
يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل
الآخر فيقول : من يدعوني فاستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني
فأغفر له ؟(72) . ومن لازم هذه الأوقات ، وحرص على الدعاء فيها لقى خيراً
عاجلاً أو آجلاً كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم . غير أن من
المهم جداً لكل داع أن يصدق في الدعاء والرغبة ، وأن يلتزم بآداب الدعاء
كأن يكون متوضئاً ، ومستقبل القبلة ، مبتدياً بحمد الله تعالى ومثنياً
بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم . غير معتدٍ في الدعاء بإثم
أو قطيعة رحم . وليتق الله تعالى في تجنّب أسباب الحرمان من الإجابة والتي
من أهمها أكل الحرام الذي يُعد مانعاً قوياً من الإجابة التي ينتظرها كل
مسلم .
وأخيراً لكل داع أن يدعو لنفسه بما شاء لكن من المهم لكل مسلم أن لا ينسى
إخوانه من دعوة بظهر الغيب ، فإن كان إخوانه يعيشون أمناً ورخاءً فليدعو
بمزيد توفيق لهم ، في جمع كلمتهم و التأليف بين قلوبهم ، وإن كانوا يعيشون
أزمات أو ويلات جره عليهم الأعداء فليصدق الله تعالى لهم في الدعاء بأن
يجمع شملهم ، ويلم شعثهم ، وينصرهم على عدوهم فإن ذلك هو أقل ما يرجونه منك
أيها الصائم الكريم .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
__________________
(68) رواه مسلم
(69) رواه مسلم
(70) رواه الإمام أحمد
(71) رواه الحاكم وحسنه الألباني
(72) متفق عليه